الوحدة الوطنية والكفر صريح

الوحدة الوطنية والكفر صريح
لا يختلف اثنان على أن وحدة الأوطان ووحدة أهلها مطلب أساسي في أي نظام سياسي في العالم وعلى مدار التاريخ , هذه حقيقة لا نجادل فيها لأن عكسها يعني التشرذم والهوان وقلة الحيلة لجميع مكونات الشعب ولنا في تشرذم العرب والمسلمين وحالهم اليوم خير مثال .

الفلسطينيون ليسوا إستثناءا من القاعدة فوحدتهم مطلوبة شرعا ولا يجوز لهم التشرذم وهم يعانون ويلات الاحتلال وقهره , لكن المتابع لما يقصدة بعض الناعقين بالوحدة الوطنية يستنتج أن المطلوب هو غير ذلك بالمطلق , ما يطالبون به من وحدة وطنية حق يراد به باطل لأن اي منهم لم يشرح لنا ماهية هذه الوحدة المنشودة .

إن ما يحاولون تمريره عبر مطلب الوحدة الوطنية هو في حده الأعلى إقصاء كامل للطرف الآخر ووجهة نظره لحساب وجهة نظرهم وفي أحسن الأحوال التوصل الى نقطة وسطية بين الأمرين وفي كلا الحالين فهذا يعني أن الاتفاق معهم سيؤدي حتما الى التنازل عن الثوابت وهذا غير ممكن .

حفل التاريخ الأسلامي بأمثلة صارخة على الوحدة الوطنية فالمسلمون منذ فجر تاريخهم وحتى يوم القيامة ثابتهم وشعارهم الأزلي هو شعار التوحيد وبوصلة النبوة " لا اله الا الله محمدا رسول الله " وهذا رأس العقيدة ومربط فرسها , فهل سمعتم يوما أن احداً اجتهد في ثابت على هذا المستوى وهل سمعتم عن فقيه إجتهد في نص كهذا , ومع ذلك فلم يخلوا تاريخ المسلمين من المجتهدين المختلفين في التفاصيل والهيئات لكن أحداً منهم لم يختلف يوما على وحدانية الله أو نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم نسمع أن احدا منهم اتهم الآخر في عقيدتة اي في وحدتة الوطنية مع امته نتيجة اجتهاده في مسائلة فقهية , اي في التفاصيل .

حسما للأمر علينا أن نتفق أولا على معنى الوحدة الوطنية , وهل يجوز الاختلاف على الثوابت , فعلى سبيل المثال لا الحصر فهل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحقق الوحدة الوطنية في مكة ويتفق مع قريش على أن يعبد الههم عاما ويعبدون الله العام الذي يليه مع ما كانوا يمثلونه يومئذ من منعة وقوة ناهيك عن انهم أهله وأبناء امته العربية , وهل يجوز لموحد يعبد الها واحدا أن يتفق مع من يعبد ثلاثة الهة مثلا ان يعبد كلاهما الهين كحل وسط يحقق وحدتهم الوطنية , اليس هذا كفر صريح .
إذاً فمن الواضح لنا اليوم أن ما يعروضنه في كل حوار معهم هو ذات الكفر الصريح ليس الا, فكيف لنا أن نوفق بين من يقول ان فلسطين هي كل أرض فلسطين من جنوب لبنان الى رفح ومن المتوسط الى نهر الاردن مع من يقول ان فلسطين هي ما سيعطيه لنا الصهاينة من الضفة والقطاع. .

كيف يمكن الجمع بين من يؤمن بالمقاومة طريقا للتحرير ومن يرى في السلام خيارا استراتيجيا وحيدا ولا شيئ غيره. وكيف لنا أن نجمع بين من يؤمن بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة من حيث اُخرجوا ومن ينادي بحل ما يسميه مشكلة اللاجئين وربما إعادتهم الى دولته المنشودة إن بقي لهم مكان .

الوحدة الوطنيه المنشودة هي وحدة الهدف والثوابت , ومن فرط في ثوابتنا فليس منا ولا يجوز ان نتوحد معه حتى يعودوا الى جادتنا ثم ليكن الاختلاف بعد ذلك في تفاصيل الطريقة التي نحقق بها ثوابتنا والادوات اللازمة لذلك وهذا هو الإختلاف المحمود والممكن .

أما الخلاف على التعريف الاساسي للقضية فهذا يعني الفرقة الأبدية ولا أقل من ذلك. سنتفق معهم إذا اتفقوا معنا على تعريف فلسطين على أنها كل فلسطين وتوصيفها بالمحتلة وأن المقاومة هي احدى الطرق الشرعية لتحريرها وحتى يتم ذلك فإننا نصر على أن التوسط في أي ثابت هو عين التفريط وأن الإتفاق مع العميل عمالة كما مع الخائن خيانة أما مع الكافر فهو كفر صريح يخلد صاحبه في النار والعياذ بالله .