الحركة والسكون في الكون/1/
صفحة 1 من اصل 1
الحركة والسكون في الكون/1/
الحركة والسكون في الكون
“الحركة” و”السكون” مفهومان عرفهما البشر منذ القِدَم؛ ولكنَّ آينشتاين أحْدَثَ في هذين المفهومين من التغيير الفيزيائي (والفلسفي) ما يسمح بوصفه بأنَّه صاحِب براءة اكتشاف “الحركة” و”السكون” في الكون.
“الحركة” إنَّما هي انتقال جسم (أو جسيم) من مَوْضِع إلى مَوْضِع، أو من نقطة إلى نقطة، في “الفراغ”، أو على سطح جسم ما، كانتقال كرة على سطح طاولة، أو عَبْر مادة ما، كانتقال جسم في داخل الماء.
إنَّها (أي الحركة) انتقالٌ في المكان لجسم (أو جسيم) فالكرة الواقِفَة على سطح طاولة تصبح في حالة حركة إذا ما دَفَعْتَها بيدكَ، أي إذا ما حرَّكْتَها.
لقد أصبحت في حالة حركة إذ انتقلت (= حركة أُفُقِيَّة أو في خطٍّ أُفُقي) على سطح الطاولة من النقطة A إلى النقطة B التي عندها توقَّفت عن الحركة، أي عادت، ثانيةً، إلى حالة السكون. وهذا الانتقال على سطح الطاولة من النقطة A إلى النقطة B هو انتقال (للكرة) في المكان.
البشر، والعلماء منهم على وجه الخصوص، أمْعنوا النظر في هذا المثال، وفي أمثلة أخرى مشابهة، فاسْتَنْتَجوا أنَّ الجسم الساكن (كالكرة الواقفة على سطح طاولة) يظلُّ ساكنا ما لَمْ تُحَرِّكه “قوَّة خارجية”، كيَدِكَ التي حرَّكت الكرة، أي نَقَلَتْها من حالة السكون إلى حالة الحركة، إذ دَفَعَتْها؛ وأنَّ هذا الجسم الذي حرَّكته “القوَّة الخارجية” لا بدَّ له، في آخر المطاف، من أن يَسْكُن، أي يتوقَّف تماماً عن الحركة، بعد أنْ تقل سرعته (يتباطأ) شيئاً فشيئاً.
وفي “مثال الكرة”، نرى أنَّ “احتكاك” سطح الكرة بسطح الطاولة (مع ما يبديه الهواء المحيط بالكرة من مقاوَمة لحركتها) هو “القوَّة” التي أوْقَفَت، أخيراً، حركة الكرة، التي شرعت تتحرَّك ما أنْ “نَقَلْتَ إليها” من يدكَ الدافعة “ما أدَّى إلى حركتها”، والتي في صراعها من أجل التغلُّب على ما يبديه سطح الطاولة من مقاومة لحركتها عليه “اسْتَنْفَدَت سبب حركتها”، فتوقَّفت، أخيراً، عن الحركة؛ وتوقُّفها جاء بعد تباطؤ.
تَوَقُّف الكرة المتحرِّكة عن الحركة أثار السؤال الآتي: ماذا يَحْدُث للكرة إذا ما دَفَعْتَها بيدكَ في حيِّزٍ، أو مكانٍ، لا وجود فيه لـ “مقاوِم لحركتها (كالاحتكاك)”، كأنْ تَدْفَعَهَا في “الفضاء”، أي على “سَطْحٍ فضائي”؟ وقد انتهى البحث والاختبار، توصُّلاً إلى إجابة علمية عن هذا السؤال، إلى اكتشاف أنَّ تلك الكرة ستظلُّ في “حركة أبدية”.. ستظلُّ تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها، وفي خطٍّ مستقيم، إلى أنْ..
إنَّها، في هذه الحال، لن تَسْتَنْفِد “أبداً” سبب الحركة الذي أدْخَلْته فيها إذ دَفَعْتَها بيدكَ؛ ولكن لماذا؟ لماذا تظلُّ تلك الكرة تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها (أو بسرعة ثابتة منتظَمة) وفي خطٍّ مستقيم؟ لماذا لا تتغيَّر سرعتها، زيادةً أو نقصانا؟ ولماذا لا تَخْرُجُ في سيرها الفضائي عن “الخطِّ المستقيم”؟ الفضاء هو المكان الذي لا وجود فيه، من حيث الأساس، وعلى وجه العموم، لـ “قوى” تُقاوِم حركة الكرة، كالهواء، أو “الاحتكاك”. ومع انتفاء وجود هذه “القوى” تظلُّ الكرة محتفظةً “إلى الأبد” بسبب الحركة الذي أدْخَلْته فيها إذ دَفَعْتَها بيدكَ.
وهذا “الاكتشاف” سُمِّي عِلْمياً قانون “القصور الذاتي” للأجسام، فالكرة مادة لها “كتلة”؛ وبسبب ذلك لا يُمْكِنها أبداً أنْ تزيد، من تلقاء نفسها، أو أنْ تقلِّل، سرعتها؛ كما لا يُمْكنها أنْ تَخْرُجَ عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها الفضائي.
ويكفي أن نرى تغييراً في سرعة تلك الكرة، على شكل زيادة أو نقصان، أو خروجاً عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها، حتى نقول، على وجه اليقين، إنَّ “قوَّة خارجية ما” قد أثَّرَت في الكرة، فرأيْنا هذا التغيير أو ذاك في حركتها.
القوَّة المؤثِّرة يجب أن تكون “خارجية (بالنسبة إلى الكرة)”، أي ليست جزاءاً من داخل الكرة، لأنَّ الكرة (وبسبب أنَّ لها “كتلة”) عاجزة (قاصِرة) ذاتياً عن تغيير حركتها، مقداراً (= سرعةً) أو عن الخروج عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها.
حاوِل الآن أنْ تَزيد، أو أنْ تقلِّل، سرعة تلك الكرة، فَتَجِد أنَّ محاولتكَ تلقى “مقاوَمة”؛ وكلَّما كانت “كتلة” الجسم أكبر اصطدمَت محاولتكَ هذه بمقاوَمة أعظم، فـ “القصور الذاتي” للجسم، والذي تَعْكِسه لنا تلك “المقاوَمة” التي يبديها، يزداد مع ازدياد “كتلته”، ويَنْقُص مع نقصها. ولسوف ترى “المقاوَمة”، أيضاً، إذا ما حاوَلْتَ إخراج تلك الكرة عن خطِّ سيرها الفضائي المستقيم.
وكلَّما زادت حركة (أو سرعة) الكرة زادت كتلتها؛ وكلَّما زادت كتلتها زادت مقاومتها للتغيير في حركتها، فالجسم (= المادة التي لها كتلة) تشتدُّ صعوبة تسريعه، وتَعْظُم، مع كل زيادة في حركته، أو سرعته.
وعليه، ما عادت “الكتلة” بالشيء الذي يشبه “الثِقَل”. لقد غدت، في تعريفها الفيزيائي الجديد، والأقرب إلى حقيقتها الموضوعية، “المقاوَمة” التي تبديها مادة ما (جسم أو جسيم) لـ “كل تغيير في حركتها”.
إنَّ القوَّة (الخارجية) اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 1000 كيلو غرام (من نقطة إلى نقطة في خطٍّ أُفُقي) يجب أن تكون أكبر من القوَّة اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 10 كيلو غرام. والقوَّة اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 10 كيلو غرام، وهو في حالة حركة، يجب أن تكون أكبر من القوَّة اللازمة لدفعه وهو ساكن، فكتلة الجسم تزداد بازدياد حركته، أو طاقته على وجه العموم.
والعلاقة بين “الكتلة” و”الطاقة” إنَّما تشبه العلاقة بين “الكلمة” و”حروفها”، فـ “الكلمة” هي “المادة التي لها كتلة، والتي لا يمكنها، بالتالي، أن تسير بسرعة الضوء”. و”حروف” تلك الكلمة إنَّما هي “الطاقة”، أي “المادة التي ليس لها كتلة، والتي تسير، بالتالي، بسرعة الضوء”. و”الكتلة”، أي كتلة جسم أو جسيم، يُمْكِن تشبيهها، أيضاً، بقطرة ماء متأتية من تكاثف (أو “تَخَثُّر”) بخار الماء (= الطاقة). و”الماء” يمكن أن يتحوَّل إلى “بخار”، و”البخار” يمكن أن يتحوَّل إلى “ماء”.
الكرة في الفضاء ليست كالكرة على سطح الطاولة لجهة احتياجها دائماً إلى “قوَّة خارجية” تعوِّضها ما تَخْسَر من سبب الحركة المُخزَّن فيها، أو المنقول إليها. لقد حُلَّت مشكلة “فَقْد (أو نفاد) سبب الحركة المخزَّن في الكرة؛ ولكن بقيت بلا حلٍّ مشكلة “الدَفْعَة الأولى”، التي، في الدين، نُسِبَت إلى الله.
على أنَّ بقاء هذه المشكلة بلا حلٍّ لَمْ يَدُمْ طويلاً، فـ “انفجار” نجم ضخم (ظاهرة “سوبر نوفا”) يَحِلُّ (جزئياً) مشكلة “الدَفْعَة الأولى”. إنَّ شظايا هذا النجم تتطاير في الفضاء؛ وتظلُّ كل شظية تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها، وفي خطٍّ مستقيم، ما سَمَحَت لها بذلك خواص الفضاء الذي فيه تسير.
وهناك “مادة الضوء (= جسيم يسمَّى “فوتون”)”، التي لا يُمْكِن تصوُّر وجودها إلاَّ وهي تتحرَّك بسرعة مقدارها، في الفضاء، 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وسرعة الضوء الفضائية هذه لا يُمْكنها أبداً أنْ تزيد، أو أنْ تَنْقُص؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ هذه المادة، التي ليس لها “كتلة”، لا تحتاج إلى “دَفْعَةٍ أولى” حتى تتحرَّك. إنَّها تشبه طفلاً خرج من رحم أُمِّه متحرِّكاً بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (في الفضاء).
“السكون”، الذي يشبه سكون سيَّارة، أي وقوفها في مكانها، نراه في الكون؛ ولكن بما يؤكِّد أنَّ هذا الشيء الساكن لا يُمْكِنه أبداً أن يكون على هذه الحال إلاَّ بوصفه جزءاً من “كُلٍّ متحرِّك”، فهذه السيَّارة الواقفة في الشارع، أي على سطح الأرض، إنًَّما هي جزء من “كُلٍّ متحرِّك”، هو كوكب الأرض، فهي، على سكونها، تتحرَّك “مع” الكوكب الأرضي، حَوْل محوره، وحَوْل الشمس.
في الكون كله، ليس من شيء يُمْكِنه أن يَسْكُن سكون تلك السيَّارة من غير أن يكون، في الوقت نفسه، جزءاً من شيء أكبر متحرِّك، ويتحرَّك، بالتالي، معه، فالجسم الساكن سكون سيَّارة، أو منزل، أو شجرة، إنَّما هو “ساكنٌ ضِمْن متحرِّك”.
لو حَرَّكْتَ جسماً ما وأنتَ في داخِل سيَّارتكَ وهي تسير بسرعة ثابتة منتظَمة (100 كيلومتر في الساعة مثلاً) وفي خطٍّ مستقيم، كأنْ تَقْذِف كرة في اتِّجاه أُفُقي، أو في اتِّجاه عمودي، فإنَّكَ لن ترى، في مشهد الحركة هذا، ما يختلف عمَّا تراه لو كنتَ في سيَّارتكَ وهي واقِفَة في الشارع.
“الحركة” و”السكون” مفهومان عرفهما البشر منذ القِدَم؛ ولكنَّ آينشتاين أحْدَثَ في هذين المفهومين من التغيير الفيزيائي (والفلسفي) ما يسمح بوصفه بأنَّه صاحِب براءة اكتشاف “الحركة” و”السكون” في الكون.
“الحركة” إنَّما هي انتقال جسم (أو جسيم) من مَوْضِع إلى مَوْضِع، أو من نقطة إلى نقطة، في “الفراغ”، أو على سطح جسم ما، كانتقال كرة على سطح طاولة، أو عَبْر مادة ما، كانتقال جسم في داخل الماء.
إنَّها (أي الحركة) انتقالٌ في المكان لجسم (أو جسيم) فالكرة الواقِفَة على سطح طاولة تصبح في حالة حركة إذا ما دَفَعْتَها بيدكَ، أي إذا ما حرَّكْتَها.
لقد أصبحت في حالة حركة إذ انتقلت (= حركة أُفُقِيَّة أو في خطٍّ أُفُقي) على سطح الطاولة من النقطة A إلى النقطة B التي عندها توقَّفت عن الحركة، أي عادت، ثانيةً، إلى حالة السكون. وهذا الانتقال على سطح الطاولة من النقطة A إلى النقطة B هو انتقال (للكرة) في المكان.
البشر، والعلماء منهم على وجه الخصوص، أمْعنوا النظر في هذا المثال، وفي أمثلة أخرى مشابهة، فاسْتَنْتَجوا أنَّ الجسم الساكن (كالكرة الواقفة على سطح طاولة) يظلُّ ساكنا ما لَمْ تُحَرِّكه “قوَّة خارجية”، كيَدِكَ التي حرَّكت الكرة، أي نَقَلَتْها من حالة السكون إلى حالة الحركة، إذ دَفَعَتْها؛ وأنَّ هذا الجسم الذي حرَّكته “القوَّة الخارجية” لا بدَّ له، في آخر المطاف، من أن يَسْكُن، أي يتوقَّف تماماً عن الحركة، بعد أنْ تقل سرعته (يتباطأ) شيئاً فشيئاً.
وفي “مثال الكرة”، نرى أنَّ “احتكاك” سطح الكرة بسطح الطاولة (مع ما يبديه الهواء المحيط بالكرة من مقاوَمة لحركتها) هو “القوَّة” التي أوْقَفَت، أخيراً، حركة الكرة، التي شرعت تتحرَّك ما أنْ “نَقَلْتَ إليها” من يدكَ الدافعة “ما أدَّى إلى حركتها”، والتي في صراعها من أجل التغلُّب على ما يبديه سطح الطاولة من مقاومة لحركتها عليه “اسْتَنْفَدَت سبب حركتها”، فتوقَّفت، أخيراً، عن الحركة؛ وتوقُّفها جاء بعد تباطؤ.
تَوَقُّف الكرة المتحرِّكة عن الحركة أثار السؤال الآتي: ماذا يَحْدُث للكرة إذا ما دَفَعْتَها بيدكَ في حيِّزٍ، أو مكانٍ، لا وجود فيه لـ “مقاوِم لحركتها (كالاحتكاك)”، كأنْ تَدْفَعَهَا في “الفضاء”، أي على “سَطْحٍ فضائي”؟ وقد انتهى البحث والاختبار، توصُّلاً إلى إجابة علمية عن هذا السؤال، إلى اكتشاف أنَّ تلك الكرة ستظلُّ في “حركة أبدية”.. ستظلُّ تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها، وفي خطٍّ مستقيم، إلى أنْ..
إنَّها، في هذه الحال، لن تَسْتَنْفِد “أبداً” سبب الحركة الذي أدْخَلْته فيها إذ دَفَعْتَها بيدكَ؛ ولكن لماذا؟ لماذا تظلُّ تلك الكرة تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها (أو بسرعة ثابتة منتظَمة) وفي خطٍّ مستقيم؟ لماذا لا تتغيَّر سرعتها، زيادةً أو نقصانا؟ ولماذا لا تَخْرُجُ في سيرها الفضائي عن “الخطِّ المستقيم”؟ الفضاء هو المكان الذي لا وجود فيه، من حيث الأساس، وعلى وجه العموم، لـ “قوى” تُقاوِم حركة الكرة، كالهواء، أو “الاحتكاك”. ومع انتفاء وجود هذه “القوى” تظلُّ الكرة محتفظةً “إلى الأبد” بسبب الحركة الذي أدْخَلْته فيها إذ دَفَعْتَها بيدكَ.
وهذا “الاكتشاف” سُمِّي عِلْمياً قانون “القصور الذاتي” للأجسام، فالكرة مادة لها “كتلة”؛ وبسبب ذلك لا يُمْكِنها أبداً أنْ تزيد، من تلقاء نفسها، أو أنْ تقلِّل، سرعتها؛ كما لا يُمْكنها أنْ تَخْرُجَ عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها الفضائي.
ويكفي أن نرى تغييراً في سرعة تلك الكرة، على شكل زيادة أو نقصان، أو خروجاً عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها، حتى نقول، على وجه اليقين، إنَّ “قوَّة خارجية ما” قد أثَّرَت في الكرة، فرأيْنا هذا التغيير أو ذاك في حركتها.
القوَّة المؤثِّرة يجب أن تكون “خارجية (بالنسبة إلى الكرة)”، أي ليست جزاءاً من داخل الكرة، لأنَّ الكرة (وبسبب أنَّ لها “كتلة”) عاجزة (قاصِرة) ذاتياً عن تغيير حركتها، مقداراً (= سرعةً) أو عن الخروج عن “الاستقامة” في خطِّ سيرها.
حاوِل الآن أنْ تَزيد، أو أنْ تقلِّل، سرعة تلك الكرة، فَتَجِد أنَّ محاولتكَ تلقى “مقاوَمة”؛ وكلَّما كانت “كتلة” الجسم أكبر اصطدمَت محاولتكَ هذه بمقاوَمة أعظم، فـ “القصور الذاتي” للجسم، والذي تَعْكِسه لنا تلك “المقاوَمة” التي يبديها، يزداد مع ازدياد “كتلته”، ويَنْقُص مع نقصها. ولسوف ترى “المقاوَمة”، أيضاً، إذا ما حاوَلْتَ إخراج تلك الكرة عن خطِّ سيرها الفضائي المستقيم.
وكلَّما زادت حركة (أو سرعة) الكرة زادت كتلتها؛ وكلَّما زادت كتلتها زادت مقاومتها للتغيير في حركتها، فالجسم (= المادة التي لها كتلة) تشتدُّ صعوبة تسريعه، وتَعْظُم، مع كل زيادة في حركته، أو سرعته.
وعليه، ما عادت “الكتلة” بالشيء الذي يشبه “الثِقَل”. لقد غدت، في تعريفها الفيزيائي الجديد، والأقرب إلى حقيقتها الموضوعية، “المقاوَمة” التي تبديها مادة ما (جسم أو جسيم) لـ “كل تغيير في حركتها”.
إنَّ القوَّة (الخارجية) اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 1000 كيلو غرام (من نقطة إلى نقطة في خطٍّ أُفُقي) يجب أن تكون أكبر من القوَّة اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 10 كيلو غرام. والقوَّة اللازمة لدفع حجر زِنَتُه 10 كيلو غرام، وهو في حالة حركة، يجب أن تكون أكبر من القوَّة اللازمة لدفعه وهو ساكن، فكتلة الجسم تزداد بازدياد حركته، أو طاقته على وجه العموم.
والعلاقة بين “الكتلة” و”الطاقة” إنَّما تشبه العلاقة بين “الكلمة” و”حروفها”، فـ “الكلمة” هي “المادة التي لها كتلة، والتي لا يمكنها، بالتالي، أن تسير بسرعة الضوء”. و”حروف” تلك الكلمة إنَّما هي “الطاقة”، أي “المادة التي ليس لها كتلة، والتي تسير، بالتالي، بسرعة الضوء”. و”الكتلة”، أي كتلة جسم أو جسيم، يُمْكِن تشبيهها، أيضاً، بقطرة ماء متأتية من تكاثف (أو “تَخَثُّر”) بخار الماء (= الطاقة). و”الماء” يمكن أن يتحوَّل إلى “بخار”، و”البخار” يمكن أن يتحوَّل إلى “ماء”.
الكرة في الفضاء ليست كالكرة على سطح الطاولة لجهة احتياجها دائماً إلى “قوَّة خارجية” تعوِّضها ما تَخْسَر من سبب الحركة المُخزَّن فيها، أو المنقول إليها. لقد حُلَّت مشكلة “فَقْد (أو نفاد) سبب الحركة المخزَّن في الكرة؛ ولكن بقيت بلا حلٍّ مشكلة “الدَفْعَة الأولى”، التي، في الدين، نُسِبَت إلى الله.
على أنَّ بقاء هذه المشكلة بلا حلٍّ لَمْ يَدُمْ طويلاً، فـ “انفجار” نجم ضخم (ظاهرة “سوبر نوفا”) يَحِلُّ (جزئياً) مشكلة “الدَفْعَة الأولى”. إنَّ شظايا هذا النجم تتطاير في الفضاء؛ وتظلُّ كل شظية تسير في الفضاء بالسرعة ذاتها، وفي خطٍّ مستقيم، ما سَمَحَت لها بذلك خواص الفضاء الذي فيه تسير.
وهناك “مادة الضوء (= جسيم يسمَّى “فوتون”)”، التي لا يُمْكِن تصوُّر وجودها إلاَّ وهي تتحرَّك بسرعة مقدارها، في الفضاء، 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وسرعة الضوء الفضائية هذه لا يُمْكنها أبداً أنْ تزيد، أو أنْ تَنْقُص؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ هذه المادة، التي ليس لها “كتلة”، لا تحتاج إلى “دَفْعَةٍ أولى” حتى تتحرَّك. إنَّها تشبه طفلاً خرج من رحم أُمِّه متحرِّكاً بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (في الفضاء).
“السكون”، الذي يشبه سكون سيَّارة، أي وقوفها في مكانها، نراه في الكون؛ ولكن بما يؤكِّد أنَّ هذا الشيء الساكن لا يُمْكِنه أبداً أن يكون على هذه الحال إلاَّ بوصفه جزءاً من “كُلٍّ متحرِّك”، فهذه السيَّارة الواقفة في الشارع، أي على سطح الأرض، إنًَّما هي جزء من “كُلٍّ متحرِّك”، هو كوكب الأرض، فهي، على سكونها، تتحرَّك “مع” الكوكب الأرضي، حَوْل محوره، وحَوْل الشمس.
في الكون كله، ليس من شيء يُمْكِنه أن يَسْكُن سكون تلك السيَّارة من غير أن يكون، في الوقت نفسه، جزءاً من شيء أكبر متحرِّك، ويتحرَّك، بالتالي، معه، فالجسم الساكن سكون سيَّارة، أو منزل، أو شجرة، إنَّما هو “ساكنٌ ضِمْن متحرِّك”.
لو حَرَّكْتَ جسماً ما وأنتَ في داخِل سيَّارتكَ وهي تسير بسرعة ثابتة منتظَمة (100 كيلومتر في الساعة مثلاً) وفي خطٍّ مستقيم، كأنْ تَقْذِف كرة في اتِّجاه أُفُقي، أو في اتِّجاه عمودي، فإنَّكَ لن ترى، في مشهد الحركة هذا، ما يختلف عمَّا تراه لو كنتَ في سيَّارتكَ وهي واقِفَة في الشارع.
مواضيع مماثلة
» الحركة والسكون في الكون/9/
» الحركة والسكون في الكون/10/
» الحركة والسكون في الكون/11/
» الحركة والسكون في الكون/12/
» الحركة والسكون في الكون/2/
» الحركة والسكون في الكون/10/
» الحركة والسكون في الكون/11/
» الحركة والسكون في الكون/12/
» الحركة والسكون في الكون/2/
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى