الحركة والسكون في الكون/9/
صفحة 1 من اصل 1
الحركة والسكون في الكون/9/
بسبب “كتلة” الشمس “يتغوَّر” الفضاء حَوْلها، أي يصبح كـ “الغور”. وكلَّما زادت كتلة الجسم الكوني زاد “الغور الفضائي (= “الحُفْرَة الفضائية”)”، الذي حَفَرَتْهُ، عُمْقاً، أي انحناء. وانحناء الفضاء حَوْل النجم يزداد مع اقترابنا من هذا النجم، ويقل مع ابتعادنا عنه.
نيوتن جَعَلَنَا نَنْظُر إلى “الجاذبية” على أنَّها “قوَّة تمارِس تأثيرها عن بُعْد”، أي عَبْرَ مسافة فضائية كبيرة بين جسمين كونيين، أو أكثر، فالشمس، مثلاً، “تَشُدُّ إليها (=تَجْذِب)”، بـ “كتلتها الضخمة”، كل جسم في جوارها، كتلته أصغر من كتلتها.
إنَّها “تَسْحَبُ إليها” جسماً ما (على مقربة منها) صغير الكتلة، فتُسْقِطه في “فمها”، أي تلتهمه، أو تُجْبره على الدوران حَوْلها، فدوران الأرض حَوْل الشمس إنَّما هو، بحسب تصوُّر نيوتن، مَظْهَر من مظاهر “شدِّ” الشمس لهذا الكوكب إليها.
ونيوتن فَهِمَ “الفضاء” على أنَّه “الفراغ المَطْلَق”، الذي “فيه”، أو “ضِمْنه”، تتحرَّك الأجسام السماوية، التي “تتجاذَب” بفضل “قوَّة تَعْمَل (أو تُؤثِّر) عن بُعْد”؛ وقد شُبِّه عمل هذه “القوَّة” بـ “خيوط وهمية”، بفضلها يَشُدُّ كلا الجسمين الآخر إليه.
ولو سُئِلَ نيوتن “ما الذي يبقى في الكون لو زال كل ما فيه من “مادة”، أي من مجرَّات ونجوم وكواكب..؟”، لأجاب على البديهة قائلاً: “يبقى الفضاء (=الفراغ المُطْلَق)”، الذي، في تصوُّره، كـ “وعاء كبير” تُوْضَعُ فيه الأجسام السماوية، ويُمْكِن، بالتالي، إخراجها منه، فهذا “الوعاء” يُمْكِن تصوُّرِه مملوءاً، أو فارغاً.
آينشتاين نَبَذَ هذا التصوُّر، متصوِّراً “الفضاء”، ومُصوِّراً له لنا، على أنَّه و”الجسم” في اتِّحاد لا انفصام فيه، فلا أجسام (أو جسيمات) بلا فضاء، ولا فضاء بلا أجسام (أو جسيمات). لقد جَعَل الفضاء “شيئاً (أو مادة)”، له خواصُّه المختلفة المتغيِّرة. ولكَ أن تتصوَّر “الفضاء” على أنَّه شيء يشبه “الغيم”، أو “بخار الماء”، أو “العجين”، الذي “يُشَكِّله (أي يعطيه شكلاً)” الجسم. و”الفضاء”، في تصوُّر مشابه، كـ “السائل”، شَكْلُه من شكل الإناء الذي يُوْضَع، أو يُسْكَب، فيه.
أُنْظُر إلى كرة ساكنة (واقفة) على سطح طاولة مستوٍ، وتخيَّل أنَّ هذا السطح قد “تَقَعَّر”، فجأة، حيث تَقِف الكرة. عندئذٍ، لن تظلَّ الكرة واقفة في مكانها؛ وسوف نراها “تَنْحَدِر”، أي تَهْبِط من علوٍّ إلى أسفل.
لقد “تحرَّكت (= انتقلت)” بما يُوافِق “تَغَيُّر السطح”، فهذا السطح كان مستوياً، فأصبح “مُقَعَّراً”، أي أنَّ “تضاريس” هذا المكان (= سطح الطاولة) تغيَّرت. وتَغَيُّر سطح الطاولة (= المكان) على هذا النحو إنَّما هو “تَغَيُّرٌ هندسي”. ولو “تَحَدَّب” سطح الطاولة حيث تَقِف الكرة لرأيْناها “تتحرَّك” بما يُوافِق هذا “التغيُّر الهندسي”.
وفي مثال “الشرشف المشدود (أُفُقياً) من أطرافه”، نَقِفُ على “الجاذبية” في معناها الجديد، أي في المعنى الذي شرحه وأوضحه آينشتاين.
هذا “الشرشف المشدود”، أي الذي يشبه سطح طاولة مستوٍ، إنَّما هو “شبيه الفضاء المستوي”، أي الفضاء الذي لا وجود فيه للأجسام الكونية كالمجرَّات والنجوم. في هذا الفضاء، نرى الجسم في قصوره الذاتي الذي لم تُعَكِّر صفوه قوَّة ما.
ضَعْ كرة صغيرة من الخشب على “الشرشف”، وادْفَعْها بيدكَ، فترى أنَّها تسير فَوْق هذا الشرشف في خطٍّ مستقيم. ولولا “الاحتكاك” بين السطحين (سطح الكرة وسطح الشرشف) و”مقاوَمة الهواء” لَرَأيْنا هذه الكرة تسير، أيضاً، بسرعة ثابتة منتظَمة. وعلى هذا النحو يمكن ويجب أن نفهم سير جسم في الفضاء في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة منتظَمة.
الآن، “قَعِّرْ” سطح هذا الشرشف، أي اجْعله “مُقَعَّراً”، بأنْ تَضَعْ في وسطه كرة معدنية ضخمة. أُنْظُر إلى هذه الكرة على أنَّها كتلة الشمس، وإلى جُزْء الشرشف الأقرب إليها على أنَّه الفضاء المحيط بكتلة الشمس. وكلَّما زادت “كتلة” الكرة التي تضعها في وسطه زاد “تَقَعُّر” الشرشف.
لقد غيَّرت تلك الكرة هندسة المكان (= الفضاء) فهي أحْدَثَت “حُفْرةً”، أو “غَوْراً دائرياً”، في الفضاء (= جزء الشرشف الأقرب إليها) المحيط بها.
ادْفَعْ كرة الخشب الصغيرة على سطح الشرشف، فتراها تسير (تتحرَّك) في خطِّ مُنْحَنٍ، أي “تنحدر”، أي تسقط من علوٍّ إلى أسفل، حتى تَصِل إلى “أوطأ جزء من الشرشف”، أي إلى تلك الكرة المعدنية الضخمة.
عندما تصِل إليها لا تصطدم بها، وتتوقَّف عن الحركة. إنَّها ما أن تصِل إليها حتى تشرع تدور حَوْلَها. ولولا “الاحتكاك” بين سطحها وسطح الشرشف لظلَّت في دوران مستمر لا يتوقَّف حَوْل الكرة المعدنية الضخمة. إنَّ الكرة المعدنية الضخمة هي كتلة الشمس، مثلاً، والشرشف هو الفضاء المحيط بالشمس، وكرة الخشب الصغيرة هي كوكب الأرض (مثلاً) الذي يدور حَوْل الشمس.
في هذا المثال، تنتفي الحاجة إلى تفسير حركة كرة الخشب، ودورانها حَوْل الكرة المعدنية الضخمة، على أنَّهما ثمرة “شدِّ الكرة المعدنية للكرة الخشبية”، فكُرة الخشب لم تتحرَّك نحو كرة المعدن الضخمة، وتدور حَوْلها؛ لأنَّ كرة المعدن شدَّت إليها (= جَذَبَت إليها) كرة الخشب بـ “قوَّة تَعْمَل عن بُعْد”، هي ما سمَّاها نيوتن “قوَّ الجاذبية (الشمسية)”.
ليس من “شدٍّ”، وليس من “قوَّة تَعْمَل عن بُعْد”، فكل ما في الأمر أنَّ كتلة الشمس حَفَرَت عميقاً في الفضاء المحيط بها، مُغَيِّرةً، بالتالي، هندسته، بما يَجْعَل الأجسام التي على مقربة منها تتحرَّك على نحو ما، أو في طريقة (أو شكل) ما.
وثمَّة ظاهرة مشابهة نراها في “الجذب المغناطيسي”، فقطعة المغناطيس تُحْدِثُ تغييراً في الفضاء المحيط بها، أي تُغَيِّر هندسته، فيؤدِّي هذا التغيير (الفضائي) إلى تحرُّك بُرادة الحديد على نحو معيَّن. ضَعْ بُرادة الحديد فوق ورقة، وضَعْ تحت الورقة قطعة من المغناطيس، فترى تلك البُرادة تتحرَّك على نحو معيَّن. هذا التغيير الذي أحْدَثَتْهُ قطعة المغناطيس في الفضاء المحيط بها (في “تضاريسه”، أو “هندسته”) هو الذي جَعَلَ بُرادة الحديد تتحرَّك (وتَنْتَظِم) في شكل ما.
تَخَيَّل وجود جسم (ضئيل الكتلة) ساكِن في الفضاء، الذي ظَهَرَ فيه، بغتةً، جسمٌ عظيم الكتلة، كالشمس. إنَّ ما يشبه حُفْرة كبيرة في الفضاء تنشأ حَوْل الجسم عظيم الكتلة، فيَنْحَدِر فيها، أي يسقط (= يتحرَّك) من علوٍّ إلى أسفل، الجسم الساكن ضئيل الكتلة، ثمَّ يشرع يدور حَوْل “المَرْكَز”، أي حَوْل الجسم عظيم الكتلة.
وبسبب القصور الذاتي للجسم الدائر يظلُّ هذا الجسم يدور في مداره بسرعة ثابتة منتظَمة (إذا ما افْتَرَضْنا أنَّه يدور في مدار دائري).
ولكنَّ دورانه (= خروجه عن “الاستقامة” في حركته) يجعل “قصوره الذاتي” في حالٍ دائمة من “الانتفاض”.
إنَّ هذا الجسم الدائر، ولو كان يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، لا يُمْكِن النظر إليه على أنَّه في حالٍ من “السكون”. إنَّه جسم “متحرِّك”، بسرعة ثابتة منتظَمة. وخضوعه لتأثير “القوَّة الطاردة المركزية”، أي القوَّة التي تحاوِل طرده عن “المَرْكَز”، أي عن الجسم عظيم الكتلة، إنَّما هو دليل على أنَّ “قصوره الذاتي” في حالٍ دائمة من “الانتفاض”.
أُنْظُر إلى حركة كوكب الأرض حَوْل الشمس. إنَّها ليست بحركة “دائرية”، فكوكب الأرض يدور حَوْل الشمس في مدار بيضاوي. وعليه، نراه تارةً قريباً من الشمس (صيفاً) ونراه طوراً بعيداً عنها (شتاءً).
في قُرْبِه منها، إنَّما يسير في خطٍّ (فضائي) أكثر انحناءً، فتزداد سرعته، فتَعْظُم كتلته. وفي بُعْدِه عنها، إنَّما يسير في خطٍّ (فضائي) أقل انحناءً، فتقل سرعته، وتتضاءل كتلته. أمَّا كوكب عطارد (الكوكب الأسرع) فهو الأقرب إلى الشمس، وهو، بالتالي، يدور حَوْلها في فضائها الأكثر انحناءً وتقوُّساً وتحدُّباً.
إنَّ سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس ليست بثابتة، بسبب مدارها البيضاوي، فسرعته تقل عندما تكون الأرض في النقطة (المدارية) الأبعد عن الشمس، وتزيد عندما تكون في النقطة الأقرب إليها. لماذا زادت سرعة دورانها عندما أصبحت في النقطة (المدارية) الأقرب إلى الشمس؟ إنَّ قصورها الذاتي لا يسمح لها بان تزيد سرعتها بنفسها، فلا بدَّ من وجود “قوَّة خارجية” أثَّرت فيها بما أدَّى إلى زيادة سرعتها. وهذه “القوَّة” ليست سوى اشتداد انحناء الفضاء الذي تسير فيه، فالفضاء الأقرب إلى الشمس هو الأكثر انحناءً؛ وهو يشبه لجهة تأثيره أنْ تُصادِف الأرض في طريقها “حُفْرة”، فـ “يتسارع” سيرها عندما “تَنْحَدِر” فيها من علوٍّ إلى أسفل.
الفضاء الأقرب إلى كتلة ضخمة هو الفضاء الأشد انحناءً. وحيث يشتد انحناء الفضاء تَعْظُم سرعة الجسم الذي يسير فيه دائِراً حَوْل تلك الكتلة، وتزداد كتلته.
دوران جسم حَوْل جسم هو ما حَمَل نيوتن على القول بوجود “قوَّة خارجية”، تؤثِّر في الجسم الدائر؛ وقد سمَّاها “قوَّة الجاذبية”، فـ “الحركة الدورانية” هي خروجٌ للجسم عن “الاستقامة” في خطِّ سيره. والجسم، لـ “قصوره الذاتي”، لا يُمْكنه أبداً أن يَخْرُج عن “الاستقامة” في خطِّ سيره إلا إذا أثَّرت فيه، على هذا النحو، “قوَّة خارجية”.
نيوتن قال بالظاهرتين، ظاهرة “القصور الذاتي” للأجسام، وظاهرة “الجاذبية”، بوصفها “قوَّة تمارِس التأثير عن بُعْد”؛ أمَّا آينشتاين فَفَهِم “الجاذبية” على أنَّها “انتفاضة القصور الذاتي”، فـ “مظاهر الجاذبية” تنشأ مع كل تغيير في سرعة الجسم، زيادةً أو نقصاناً، ومع كل خروجٍ له عن “الاستقامة” في خطِّ سيره.
في مثال الكرة الخشبية المتدحرجة نحو الكرة المعدنية الضخمة، ودورانها، من ثمَّ، حَوْلَها، رأيْنا الكرة الخشبية لا تملُك من السرعة ما يُمكِّنها من أن تَصْعَد “المرتَفَع الفضائي”، فـ “الحُفْرة الفضائية (= الحُفْرة في سطح الشرشف)” التي تُحْدِثها الكرة المعدنية الضخمة إنَّما هي “اجتماع المنحدَر والمرتفَع”.
نيوتن جَعَلَنَا نَنْظُر إلى “الجاذبية” على أنَّها “قوَّة تمارِس تأثيرها عن بُعْد”، أي عَبْرَ مسافة فضائية كبيرة بين جسمين كونيين، أو أكثر، فالشمس، مثلاً، “تَشُدُّ إليها (=تَجْذِب)”، بـ “كتلتها الضخمة”، كل جسم في جوارها، كتلته أصغر من كتلتها.
إنَّها “تَسْحَبُ إليها” جسماً ما (على مقربة منها) صغير الكتلة، فتُسْقِطه في “فمها”، أي تلتهمه، أو تُجْبره على الدوران حَوْلها، فدوران الأرض حَوْل الشمس إنَّما هو، بحسب تصوُّر نيوتن، مَظْهَر من مظاهر “شدِّ” الشمس لهذا الكوكب إليها.
ونيوتن فَهِمَ “الفضاء” على أنَّه “الفراغ المَطْلَق”، الذي “فيه”، أو “ضِمْنه”، تتحرَّك الأجسام السماوية، التي “تتجاذَب” بفضل “قوَّة تَعْمَل (أو تُؤثِّر) عن بُعْد”؛ وقد شُبِّه عمل هذه “القوَّة” بـ “خيوط وهمية”، بفضلها يَشُدُّ كلا الجسمين الآخر إليه.
ولو سُئِلَ نيوتن “ما الذي يبقى في الكون لو زال كل ما فيه من “مادة”، أي من مجرَّات ونجوم وكواكب..؟”، لأجاب على البديهة قائلاً: “يبقى الفضاء (=الفراغ المُطْلَق)”، الذي، في تصوُّره، كـ “وعاء كبير” تُوْضَعُ فيه الأجسام السماوية، ويُمْكِن، بالتالي، إخراجها منه، فهذا “الوعاء” يُمْكِن تصوُّرِه مملوءاً، أو فارغاً.
آينشتاين نَبَذَ هذا التصوُّر، متصوِّراً “الفضاء”، ومُصوِّراً له لنا، على أنَّه و”الجسم” في اتِّحاد لا انفصام فيه، فلا أجسام (أو جسيمات) بلا فضاء، ولا فضاء بلا أجسام (أو جسيمات). لقد جَعَل الفضاء “شيئاً (أو مادة)”، له خواصُّه المختلفة المتغيِّرة. ولكَ أن تتصوَّر “الفضاء” على أنَّه شيء يشبه “الغيم”، أو “بخار الماء”، أو “العجين”، الذي “يُشَكِّله (أي يعطيه شكلاً)” الجسم. و”الفضاء”، في تصوُّر مشابه، كـ “السائل”، شَكْلُه من شكل الإناء الذي يُوْضَع، أو يُسْكَب، فيه.
أُنْظُر إلى كرة ساكنة (واقفة) على سطح طاولة مستوٍ، وتخيَّل أنَّ هذا السطح قد “تَقَعَّر”، فجأة، حيث تَقِف الكرة. عندئذٍ، لن تظلَّ الكرة واقفة في مكانها؛ وسوف نراها “تَنْحَدِر”، أي تَهْبِط من علوٍّ إلى أسفل.
لقد “تحرَّكت (= انتقلت)” بما يُوافِق “تَغَيُّر السطح”، فهذا السطح كان مستوياً، فأصبح “مُقَعَّراً”، أي أنَّ “تضاريس” هذا المكان (= سطح الطاولة) تغيَّرت. وتَغَيُّر سطح الطاولة (= المكان) على هذا النحو إنَّما هو “تَغَيُّرٌ هندسي”. ولو “تَحَدَّب” سطح الطاولة حيث تَقِف الكرة لرأيْناها “تتحرَّك” بما يُوافِق هذا “التغيُّر الهندسي”.
وفي مثال “الشرشف المشدود (أُفُقياً) من أطرافه”، نَقِفُ على “الجاذبية” في معناها الجديد، أي في المعنى الذي شرحه وأوضحه آينشتاين.
هذا “الشرشف المشدود”، أي الذي يشبه سطح طاولة مستوٍ، إنَّما هو “شبيه الفضاء المستوي”، أي الفضاء الذي لا وجود فيه للأجسام الكونية كالمجرَّات والنجوم. في هذا الفضاء، نرى الجسم في قصوره الذاتي الذي لم تُعَكِّر صفوه قوَّة ما.
ضَعْ كرة صغيرة من الخشب على “الشرشف”، وادْفَعْها بيدكَ، فترى أنَّها تسير فَوْق هذا الشرشف في خطٍّ مستقيم. ولولا “الاحتكاك” بين السطحين (سطح الكرة وسطح الشرشف) و”مقاوَمة الهواء” لَرَأيْنا هذه الكرة تسير، أيضاً، بسرعة ثابتة منتظَمة. وعلى هذا النحو يمكن ويجب أن نفهم سير جسم في الفضاء في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة منتظَمة.
الآن، “قَعِّرْ” سطح هذا الشرشف، أي اجْعله “مُقَعَّراً”، بأنْ تَضَعْ في وسطه كرة معدنية ضخمة. أُنْظُر إلى هذه الكرة على أنَّها كتلة الشمس، وإلى جُزْء الشرشف الأقرب إليها على أنَّه الفضاء المحيط بكتلة الشمس. وكلَّما زادت “كتلة” الكرة التي تضعها في وسطه زاد “تَقَعُّر” الشرشف.
لقد غيَّرت تلك الكرة هندسة المكان (= الفضاء) فهي أحْدَثَت “حُفْرةً”، أو “غَوْراً دائرياً”، في الفضاء (= جزء الشرشف الأقرب إليها) المحيط بها.
ادْفَعْ كرة الخشب الصغيرة على سطح الشرشف، فتراها تسير (تتحرَّك) في خطِّ مُنْحَنٍ، أي “تنحدر”، أي تسقط من علوٍّ إلى أسفل، حتى تَصِل إلى “أوطأ جزء من الشرشف”، أي إلى تلك الكرة المعدنية الضخمة.
عندما تصِل إليها لا تصطدم بها، وتتوقَّف عن الحركة. إنَّها ما أن تصِل إليها حتى تشرع تدور حَوْلَها. ولولا “الاحتكاك” بين سطحها وسطح الشرشف لظلَّت في دوران مستمر لا يتوقَّف حَوْل الكرة المعدنية الضخمة. إنَّ الكرة المعدنية الضخمة هي كتلة الشمس، مثلاً، والشرشف هو الفضاء المحيط بالشمس، وكرة الخشب الصغيرة هي كوكب الأرض (مثلاً) الذي يدور حَوْل الشمس.
في هذا المثال، تنتفي الحاجة إلى تفسير حركة كرة الخشب، ودورانها حَوْل الكرة المعدنية الضخمة، على أنَّهما ثمرة “شدِّ الكرة المعدنية للكرة الخشبية”، فكُرة الخشب لم تتحرَّك نحو كرة المعدن الضخمة، وتدور حَوْلها؛ لأنَّ كرة المعدن شدَّت إليها (= جَذَبَت إليها) كرة الخشب بـ “قوَّة تَعْمَل عن بُعْد”، هي ما سمَّاها نيوتن “قوَّ الجاذبية (الشمسية)”.
ليس من “شدٍّ”، وليس من “قوَّة تَعْمَل عن بُعْد”، فكل ما في الأمر أنَّ كتلة الشمس حَفَرَت عميقاً في الفضاء المحيط بها، مُغَيِّرةً، بالتالي، هندسته، بما يَجْعَل الأجسام التي على مقربة منها تتحرَّك على نحو ما، أو في طريقة (أو شكل) ما.
وثمَّة ظاهرة مشابهة نراها في “الجذب المغناطيسي”، فقطعة المغناطيس تُحْدِثُ تغييراً في الفضاء المحيط بها، أي تُغَيِّر هندسته، فيؤدِّي هذا التغيير (الفضائي) إلى تحرُّك بُرادة الحديد على نحو معيَّن. ضَعْ بُرادة الحديد فوق ورقة، وضَعْ تحت الورقة قطعة من المغناطيس، فترى تلك البُرادة تتحرَّك على نحو معيَّن. هذا التغيير الذي أحْدَثَتْهُ قطعة المغناطيس في الفضاء المحيط بها (في “تضاريسه”، أو “هندسته”) هو الذي جَعَلَ بُرادة الحديد تتحرَّك (وتَنْتَظِم) في شكل ما.
تَخَيَّل وجود جسم (ضئيل الكتلة) ساكِن في الفضاء، الذي ظَهَرَ فيه، بغتةً، جسمٌ عظيم الكتلة، كالشمس. إنَّ ما يشبه حُفْرة كبيرة في الفضاء تنشأ حَوْل الجسم عظيم الكتلة، فيَنْحَدِر فيها، أي يسقط (= يتحرَّك) من علوٍّ إلى أسفل، الجسم الساكن ضئيل الكتلة، ثمَّ يشرع يدور حَوْل “المَرْكَز”، أي حَوْل الجسم عظيم الكتلة.
وبسبب القصور الذاتي للجسم الدائر يظلُّ هذا الجسم يدور في مداره بسرعة ثابتة منتظَمة (إذا ما افْتَرَضْنا أنَّه يدور في مدار دائري).
ولكنَّ دورانه (= خروجه عن “الاستقامة” في حركته) يجعل “قصوره الذاتي” في حالٍ دائمة من “الانتفاض”.
إنَّ هذا الجسم الدائر، ولو كان يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، لا يُمْكِن النظر إليه على أنَّه في حالٍ من “السكون”. إنَّه جسم “متحرِّك”، بسرعة ثابتة منتظَمة. وخضوعه لتأثير “القوَّة الطاردة المركزية”، أي القوَّة التي تحاوِل طرده عن “المَرْكَز”، أي عن الجسم عظيم الكتلة، إنَّما هو دليل على أنَّ “قصوره الذاتي” في حالٍ دائمة من “الانتفاض”.
أُنْظُر إلى حركة كوكب الأرض حَوْل الشمس. إنَّها ليست بحركة “دائرية”، فكوكب الأرض يدور حَوْل الشمس في مدار بيضاوي. وعليه، نراه تارةً قريباً من الشمس (صيفاً) ونراه طوراً بعيداً عنها (شتاءً).
في قُرْبِه منها، إنَّما يسير في خطٍّ (فضائي) أكثر انحناءً، فتزداد سرعته، فتَعْظُم كتلته. وفي بُعْدِه عنها، إنَّما يسير في خطٍّ (فضائي) أقل انحناءً، فتقل سرعته، وتتضاءل كتلته. أمَّا كوكب عطارد (الكوكب الأسرع) فهو الأقرب إلى الشمس، وهو، بالتالي، يدور حَوْلها في فضائها الأكثر انحناءً وتقوُّساً وتحدُّباً.
إنَّ سرعة دوران الأرض حَوْل الشمس ليست بثابتة، بسبب مدارها البيضاوي، فسرعته تقل عندما تكون الأرض في النقطة (المدارية) الأبعد عن الشمس، وتزيد عندما تكون في النقطة الأقرب إليها. لماذا زادت سرعة دورانها عندما أصبحت في النقطة (المدارية) الأقرب إلى الشمس؟ إنَّ قصورها الذاتي لا يسمح لها بان تزيد سرعتها بنفسها، فلا بدَّ من وجود “قوَّة خارجية” أثَّرت فيها بما أدَّى إلى زيادة سرعتها. وهذه “القوَّة” ليست سوى اشتداد انحناء الفضاء الذي تسير فيه، فالفضاء الأقرب إلى الشمس هو الأكثر انحناءً؛ وهو يشبه لجهة تأثيره أنْ تُصادِف الأرض في طريقها “حُفْرة”، فـ “يتسارع” سيرها عندما “تَنْحَدِر” فيها من علوٍّ إلى أسفل.
الفضاء الأقرب إلى كتلة ضخمة هو الفضاء الأشد انحناءً. وحيث يشتد انحناء الفضاء تَعْظُم سرعة الجسم الذي يسير فيه دائِراً حَوْل تلك الكتلة، وتزداد كتلته.
دوران جسم حَوْل جسم هو ما حَمَل نيوتن على القول بوجود “قوَّة خارجية”، تؤثِّر في الجسم الدائر؛ وقد سمَّاها “قوَّة الجاذبية”، فـ “الحركة الدورانية” هي خروجٌ للجسم عن “الاستقامة” في خطِّ سيره. والجسم، لـ “قصوره الذاتي”، لا يُمْكنه أبداً أن يَخْرُج عن “الاستقامة” في خطِّ سيره إلا إذا أثَّرت فيه، على هذا النحو، “قوَّة خارجية”.
نيوتن قال بالظاهرتين، ظاهرة “القصور الذاتي” للأجسام، وظاهرة “الجاذبية”، بوصفها “قوَّة تمارِس التأثير عن بُعْد”؛ أمَّا آينشتاين فَفَهِم “الجاذبية” على أنَّها “انتفاضة القصور الذاتي”، فـ “مظاهر الجاذبية” تنشأ مع كل تغيير في سرعة الجسم، زيادةً أو نقصاناً، ومع كل خروجٍ له عن “الاستقامة” في خطِّ سيره.
في مثال الكرة الخشبية المتدحرجة نحو الكرة المعدنية الضخمة، ودورانها، من ثمَّ، حَوْلَها، رأيْنا الكرة الخشبية لا تملُك من السرعة ما يُمكِّنها من أن تَصْعَد “المرتَفَع الفضائي”، فـ “الحُفْرة الفضائية (= الحُفْرة في سطح الشرشف)” التي تُحْدِثها الكرة المعدنية الضخمة إنَّما هي “اجتماع المنحدَر والمرتفَع”.
مواضيع مماثلة
» الحركة والسكون في الكون/3/
» الحركة والسكون في الكون/4/
» الحركة والسكون في الكون/5/
» الحركة والسكون في الكون/6/
» الحركة والسكون في الكون/7/
» الحركة والسكون في الكون/4/
» الحركة والسكون في الكون/5/
» الحركة والسكون في الكون/6/
» الحركة والسكون في الكون/7/
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى