الحركة والسكون في الكون/7/
صفحة 1 من اصل 1
الحركة والسكون في الكون/7/
إنَّ تمدُّد الفضاء بين الشمس والأرض بسرعة تفوق سرعة الضوء لا يعني أبداً أنَّ الشمس، أو الأرض، قد “تحرَّكت” مبتعدة عن الأخرى بسرعة تفوق سرعة الضوء، فثمَّة فَرْق كبير بين جسمين يتباعدان بسبب “حركتهما في الفضاء” وبين جسمين يتباعدان بسبب “تمدُّد الفضاء الذي بينهما”.
حركة الجسم “في” الفضاء، وليس “مع” الفضاء، هي التي تُنْتِجُ فيه ظاهرة “تأخُّر ساعته”، على أن تكون حركة فعلية مُطْلَقَة. وكلَّما زاد مقدار هذه الحركة (أي كلَّما تسارَع الجسم) اشتد انحناء وتقوُّس الفضاء من حَوْل هذا الجسم، وزاد “تمدُّد الزمان” الخاص به.
و”تمدُّد الزمان” في جسم يسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء إنَّما يعني “تباطؤ الزمان” فيه، أو “تأخُّر ساعته”، فـ “المسافة” التي يقطعها “عقرب الثواني” بين ثانية وثانية تطول (تتِّسع، تتمدَّد) فَتَعْدِل الثانية الواحدة في ساعته مقداراً أكبر من الزمن الأرضي (دقائق أو ساعات أو سنوات أرضية).
إنَّ لكل جسم من الخواص الزمنية والمكانية ما يُضيف إليه سبباً آخر لجعله مختلفاً عن غيره، فـ “الجسم” إنَّما هو “المادة التي لها كتلة” في بعض من وجودها، أو من أشكال وصور وجودها، فثمَّة “جسيمات لها كتلة”؛ و”المادة التي لها كتلة” إنَّما هي “المادة” في بعض من وجودها، أو من أشكال وصور وجودها، فثمَّة مادة على شكل طاقة، أو على شكل “جسيمات لا كتلة لها”.
وكل “مادة”، من النوع الذي “له كتلة” أم من النوع الذي “لا كتلة له”، إنَّما هي الوحدة التي لا انفصام فيها بين “الزمان” و”المكان”، فلا وجود لمادة لا وجود فيها للزمان والمكان في وحدتهما تلك، ولا وجود للزمان والمكان “المجرَّدين” من “المادة”. و”المكان”، في جزء من مفهومه، إنَّما هو “الفضاء حَوْل الجسم الكوني الذي له كتلة (كبيرة)” كالنجم.
ويعود إلى آينشتاين الفضل في اكتشاف أوجه الوحدة الفيزيائية (التي لا انفصام فيها) بين الزمان والمكان؛ وقد جاءت كلمة “الزمكان” تعبيراً لغوياً عن هذه الوحدة.
“فَرْق الزمن” بين حادثين إنَّما يُنْتِج حتماً “فَرْقاً (بينهما) في المكان”، فالحادثان اللذان نراهما يَحْدُثان في المكان ذاته إنَّما يَحْدُثان في مكانين مختلفين إذا ما حَدَث أحدهما “قَبْل”، أو “بَعْد”، حدوث الآخر.
لقد وَقَع انفجار في الموضع A من سطح الأرض؛ و”بَعْدَ” ساعة وقع انفجار آخر في الموضع ذاته. وإذا سُئِلْتَ “أين وَقَعَا؟”، أو “عن مكان وقوعهما”، لأجَبْتَ قائلاً: “لقد وَقَعَا في المكان ذاته”.
إجابتكَ ليست ببعيدة عن الصواب إذا ما كانت “نسبية”، أي “غير مُطْلَقَة”، فالانفجاران، في معنى ما، وَقَعَا في المكان ذاته، أي في الموضع A من سطح الكرة الأرضية؛ ولكن الأرض تدور حَوْل الشمس، ولقد وَقَع الانفجار الثاني حيث كانت الكرة الأرضية في “موضع فضائي” يختلف عن موضعها الفضائي قبل ساعة حيث وَقَع الانفجار الأوَّل.
والحادثان اللذان يَحْدُثان في مكانين مختلفين لا بدَّ لهما من أن يَحْدُثا في زمنين مختلفين، وإنْ رأيتهما يَحْدُثان في الزمن ذاته.
لقد وَقَعَ حادث على سطح الشمس؛ ووَقَعَ حادث آخر على سطح نجم يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية؛ وأنتَ “المراقِب الأرضي” رأيْتَ الحادثين يقعان في اللحظة ذاتها، فـ “صورتاهما الضوئيتان” وصلتا معاً إلى عَيْنَيْكَ، مع أنَّ الحادث الأوَّل قد وقع قَبْل نحو 8 دقائق؛ والحادث الثاني قَبْلَ نحو 100 مليون سنة. أمَّا لو وَقَع الحادثان “الآن” فَبَعْدَ 8 دقائق ترى الحادث الأوَّل، وبَعْد 100 مليون سنة يصبح ممكناً أن يرى مراقب أرضي آخر (إذا ما ظلَّ بشر على سطح ألأرض) الحادث الثاني.
الحادثان يقعان في المكان ذاته إذا ما وَقَعَا في الزمان ذاته؛ ويقعان في الزمان ذاته إذا ما وَقَعَا في المكان ذاته.
كل اختلاف في مكان وقوعهما يُنْتِجُ حتماً اختلافاً في زمان وقوعهما؛ وكل اختلاف في زمان وقوعهما يُنْتِجُ حتماً اختلافاً في مكان وقوعهما.
كل تغيير في المكان يَقْتَرِن بتغيير في الزمان؛ وكل تغيير في الزمان يَقْتَرِن بتغيير في المكان. حتى وأنا جالس على الكرسي يتغيَّر “مكاني الكوني” كل ثانية، ولو قال قائلٍ إنَّه (إذا ما كان جالساً على كرسي مثلاً) ينتقل في الزمان من غير أن ينتقل (في الوقت ذاته) في المكان.
وإنَّها لبديهية، أو مُسلَّمة، أن تقول إنَّ المرء لا يُمْكنه أبداً أن ينتقل في المكان من غير أن ينتقل (في الوقت نفسه) في الزمان، فأنتَ لا تستطيع أن تذهب من منزلكَ إلى مكان عملكَ (=انتقال في المكان) من غير أن يَسْتَغْرِق ذهابكَ هذا مقداراً من الزمن (يختلف باختلاف سرعتك).
ولكن، ما معنى “الآن”؟ على بُعْد عشرة أمتار من المكان الذي تَقِفُ فيه كانت شجرة تفاح، ولقد رأيْتَ تفاحة تسقط من غصنها إلى الأرض. هذا “الحادث (سقوط التفاحة)” رأيْته أنتَ يَحْدُث “الآن”، وها أنتَ تقول: “التفاحة سقطت الآن”.
أنتَ في اللحظة عينها رأيْتَ حادثاً ما قد حَدَثَ على سطح الشمس. وعليه، ستقول: “الحادثان (حادث سقوط التفاحة والحادث الشمس) حَدَثا الآن (في تمام الساعة السابعة صباحاً مثلاً)”.
على أنَّ الحادث الشمسي قد وَقَع قبل نحو 8 دقائق من سقوط التفاحة، فالشمس تَبْعُد عن الأرض نحو 150 مليون كيلومتر؛ والضوء يقطع هذه المسافة في زمن مقداره نحو 8 دقائق. وهذا إنَّما يعني أنَّ تلك “الصورة الضوئية”، أي صورة الحادث الشمسي، قد وصلت إلى عينيكَ بعد رحلة فضائية استغرقت نحو 8 دقائق.
“الآن”، في معناها الذي يَعْكِس الحقيقة الموضوعية، إنَّما هي الزمن الذي يَخُصُّ حادثاً حَدَث على بُعْدِ أمتار منكَ، على الأكثر.
أنتَ “الآن” رأيْتَ هذا الحادث الشمسي. إنَّه، أي هذا الحادث، “الحاضِر” بالنسبة إليكَ، و”الماضي” بالنسبة إلى الشمس، و”المستقبل” بالنسبة إلى كوكب في خارج مجرَّتنا. هذا الحادث الشمسي الذي رأيْته أنتَ “الآن”، سيراه سكَّان ذلك الكوكب في المستقبل.. بَعْدَ مليون سنة مثلاً.
أمَّا سبب هذه “الظاهرة الزمنية” فهو الضوء بسرعته التي نَعْرِف (300 ألف كم/ث) فلو كان الضوء المنطلق من موضع في الكون يصل إلى سائر المواضِع الكونية “فوراً”، أو في “اللحظة عينها”، لأصبحت “الآن” مُطْلَقَة، أي واحدةً على المستوى الكوني.
“الآن” إنَّما هي لحظة زمنية تشمل “مكاناً صغيراً”، ولا يُمْكنها أبداً أن تشمل الكون كله.
انتقال الجسم في المكان (أو في الفضاء) إنَّما يعني انتقاله من موضع إلى موضع؛ و”انتقاله” هذا إنَّما يعني “حركته”؛ و”حركته” إنَّما تعني “سيره بسرعة معيَّنة”.
وفي انتقال الجسم من موضع إلى موضع، بـ “سرعة عادية” كسرعة سيَّارة مثلاً، تظلُّ المسافة بين الموضعين ثابتة، لا تزيد ولا تنقص. “الزمن” الذي يستغرقه هذا الانتقال هو ما يُمْكِن أن يتغيَّر، زيادةً أو نقصاناً، فزيادة سرعة الجسم المنتقل تُنْقِص زمن الانتقال، ونقصانها يزيد زمن الانتقال.
أمَّا لو تسارًع الجسم حتى أصبح يسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء فعندئذٍ يُخْتَصَر “الزمن” و”المسافة” معاً.
على أنَّ “اختصار الزمن” في هذه الحال ليس كاختصاره لدى زيادة سرعة السيَّارة مثلاً. إنَّه اختصار تسبَّب فيه “تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن” في هذا الجسم؛ وهذا “التمدُّد” تسبَّب فيه “تسارُع” الجسم حتى بلوغه سرعة تقارِب سرعة الضوء.
و”المسافة” تُخْتَصَر، بالنسبة إلى هذا الجسم؛ لاجتماع عاملين: “تأخُّر الساعة (=تمدُّد أو تباطؤ الزمن)” في هذا الجسم (المتسارِع) وبقاء سرعته (لِعَجْزٍ فيزيائي مُطْلَق) دون سرعة الضوء مهما تسارَع.
الجسم الساكِن إنَّما هو، في تعريف آخر له، الجسم الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم. ولو انطلق جسمان من مكان واحد، فسارا في الفضاء بسرعة متزايدة حتى بلغت سرعة أحدهما 200 ألف كم/ث، وبلغت سرعة الآخر 280 ألف ك/ث، ثمَّ استمرَّ كلاهما في السير بالسرعة التي بلغها (من غير زيادة ولا نقصان) وفي خطٍّ مستقيم، فإنَّ ساعة الأسرع تتأخَّر أكثر من تأخُّر ساعة الأبطأ؛ وهذا الفَرْق في تأخُّر الساعتين يظلُّ، لجهة نِسْبَتِهِ” ثابتاً ما ظلَّ كلاهما يسير بسرعته الثابتة المنتظَمة تلك، وفي خطٍّ مستقيم.
ولكن، ما معنى أن يسير الجسم في الفضاء في خطٍّ مستقيم؟ الجسم يسير في الفضاء كسير كرة على “سطح” طاولة. إنَّه يسير على “سطح” فضائي ما. وهذا “السطح الفضائي” إمَّا أن يكون “مستوياً” وإمَّا أن يكون “منحنياً”. أُنْظُر إلى سطح طاولة، تراه “مستوياً”؛ وإنَّكَ تستطيع أن تتصوَّره “منحنياً (مقوَّساً)”.
“السطح الفضائي”، أي كل “سطح فضائي”، إنَّما هو في اتِّحادٍ لا انفصام فيه مع “الجسم”، أي “مع مادة لها كتلة”؛ وكلَّما عَظُمَت كتلة الجسم ازداد “سطحه الفضائي”، أي الفضاء الذي حَوْله، انحناءً وتقوُّساً وتحدُّباً.
وفي الفضاء الذي يخلو، أو يكاد أن يخلو، من “الكُتَل الضخمة”، يسير الجسم على “سطح فضائي” مستوٍ، أي قليل الانحناء، فـ “الاستقامة المُطْلَقَة” لا وجود لها في الكون، وكذلك “الانحناء المُطْلَق”؛ وكل “مستقيم” ينطوي على “انحناء”، وكل “مُنْحَنٍ” ينطوي على “استقامة”. إنَّ الجسم الأكثر استقامة (في طوله) هو الجسم الأقل انحناءً؛ والجسم الأكثر انحناءً (في طوله) هو الجسم الأقل استقامة.
اقْتَطِعْ جزءاً صغيراً (أو قطعة صغيرة) من محيط دائرة، أو من محيط جسم كروي، أو من خطٍّ دائري، فعلامَ تَحْصَل؟ إنَّكَ تَحْصَل على “المستقيم”، أي على الخطِّ المستقيم. سِرْ على سطح الأرض في موازاة “خطِّ الاستواء (الدائري)” حتى تعود إلى النقطة التي منها انْطَلَقْتَ، أو بَدَأْتَ السير، فتتوصَّل إلى أنْ “التعارُض المُطْلَق (غير النسبي)” بين “الخطِّ المستقيم” و”الخطِّ الدائري (أو المنحني)” لا وجود له، وتَنْفيه “الحقيقة الموضوعية” التي ينطوي عليها سيرك
حركة الجسم “في” الفضاء، وليس “مع” الفضاء، هي التي تُنْتِجُ فيه ظاهرة “تأخُّر ساعته”، على أن تكون حركة فعلية مُطْلَقَة. وكلَّما زاد مقدار هذه الحركة (أي كلَّما تسارَع الجسم) اشتد انحناء وتقوُّس الفضاء من حَوْل هذا الجسم، وزاد “تمدُّد الزمان” الخاص به.
و”تمدُّد الزمان” في جسم يسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء إنَّما يعني “تباطؤ الزمان” فيه، أو “تأخُّر ساعته”، فـ “المسافة” التي يقطعها “عقرب الثواني” بين ثانية وثانية تطول (تتِّسع، تتمدَّد) فَتَعْدِل الثانية الواحدة في ساعته مقداراً أكبر من الزمن الأرضي (دقائق أو ساعات أو سنوات أرضية).
إنَّ لكل جسم من الخواص الزمنية والمكانية ما يُضيف إليه سبباً آخر لجعله مختلفاً عن غيره، فـ “الجسم” إنَّما هو “المادة التي لها كتلة” في بعض من وجودها، أو من أشكال وصور وجودها، فثمَّة “جسيمات لها كتلة”؛ و”المادة التي لها كتلة” إنَّما هي “المادة” في بعض من وجودها، أو من أشكال وصور وجودها، فثمَّة مادة على شكل طاقة، أو على شكل “جسيمات لا كتلة لها”.
وكل “مادة”، من النوع الذي “له كتلة” أم من النوع الذي “لا كتلة له”، إنَّما هي الوحدة التي لا انفصام فيها بين “الزمان” و”المكان”، فلا وجود لمادة لا وجود فيها للزمان والمكان في وحدتهما تلك، ولا وجود للزمان والمكان “المجرَّدين” من “المادة”. و”المكان”، في جزء من مفهومه، إنَّما هو “الفضاء حَوْل الجسم الكوني الذي له كتلة (كبيرة)” كالنجم.
ويعود إلى آينشتاين الفضل في اكتشاف أوجه الوحدة الفيزيائية (التي لا انفصام فيها) بين الزمان والمكان؛ وقد جاءت كلمة “الزمكان” تعبيراً لغوياً عن هذه الوحدة.
“فَرْق الزمن” بين حادثين إنَّما يُنْتِج حتماً “فَرْقاً (بينهما) في المكان”، فالحادثان اللذان نراهما يَحْدُثان في المكان ذاته إنَّما يَحْدُثان في مكانين مختلفين إذا ما حَدَث أحدهما “قَبْل”، أو “بَعْد”، حدوث الآخر.
لقد وَقَع انفجار في الموضع A من سطح الأرض؛ و”بَعْدَ” ساعة وقع انفجار آخر في الموضع ذاته. وإذا سُئِلْتَ “أين وَقَعَا؟”، أو “عن مكان وقوعهما”، لأجَبْتَ قائلاً: “لقد وَقَعَا في المكان ذاته”.
إجابتكَ ليست ببعيدة عن الصواب إذا ما كانت “نسبية”، أي “غير مُطْلَقَة”، فالانفجاران، في معنى ما، وَقَعَا في المكان ذاته، أي في الموضع A من سطح الكرة الأرضية؛ ولكن الأرض تدور حَوْل الشمس، ولقد وَقَع الانفجار الثاني حيث كانت الكرة الأرضية في “موضع فضائي” يختلف عن موضعها الفضائي قبل ساعة حيث وَقَع الانفجار الأوَّل.
والحادثان اللذان يَحْدُثان في مكانين مختلفين لا بدَّ لهما من أن يَحْدُثا في زمنين مختلفين، وإنْ رأيتهما يَحْدُثان في الزمن ذاته.
لقد وَقَعَ حادث على سطح الشمس؛ ووَقَعَ حادث آخر على سطح نجم يبعد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية؛ وأنتَ “المراقِب الأرضي” رأيْتَ الحادثين يقعان في اللحظة ذاتها، فـ “صورتاهما الضوئيتان” وصلتا معاً إلى عَيْنَيْكَ، مع أنَّ الحادث الأوَّل قد وقع قَبْل نحو 8 دقائق؛ والحادث الثاني قَبْلَ نحو 100 مليون سنة. أمَّا لو وَقَع الحادثان “الآن” فَبَعْدَ 8 دقائق ترى الحادث الأوَّل، وبَعْد 100 مليون سنة يصبح ممكناً أن يرى مراقب أرضي آخر (إذا ما ظلَّ بشر على سطح ألأرض) الحادث الثاني.
الحادثان يقعان في المكان ذاته إذا ما وَقَعَا في الزمان ذاته؛ ويقعان في الزمان ذاته إذا ما وَقَعَا في المكان ذاته.
كل اختلاف في مكان وقوعهما يُنْتِجُ حتماً اختلافاً في زمان وقوعهما؛ وكل اختلاف في زمان وقوعهما يُنْتِجُ حتماً اختلافاً في مكان وقوعهما.
كل تغيير في المكان يَقْتَرِن بتغيير في الزمان؛ وكل تغيير في الزمان يَقْتَرِن بتغيير في المكان. حتى وأنا جالس على الكرسي يتغيَّر “مكاني الكوني” كل ثانية، ولو قال قائلٍ إنَّه (إذا ما كان جالساً على كرسي مثلاً) ينتقل في الزمان من غير أن ينتقل (في الوقت ذاته) في المكان.
وإنَّها لبديهية، أو مُسلَّمة، أن تقول إنَّ المرء لا يُمْكنه أبداً أن ينتقل في المكان من غير أن ينتقل (في الوقت نفسه) في الزمان، فأنتَ لا تستطيع أن تذهب من منزلكَ إلى مكان عملكَ (=انتقال في المكان) من غير أن يَسْتَغْرِق ذهابكَ هذا مقداراً من الزمن (يختلف باختلاف سرعتك).
ولكن، ما معنى “الآن”؟ على بُعْد عشرة أمتار من المكان الذي تَقِفُ فيه كانت شجرة تفاح، ولقد رأيْتَ تفاحة تسقط من غصنها إلى الأرض. هذا “الحادث (سقوط التفاحة)” رأيْته أنتَ يَحْدُث “الآن”، وها أنتَ تقول: “التفاحة سقطت الآن”.
أنتَ في اللحظة عينها رأيْتَ حادثاً ما قد حَدَثَ على سطح الشمس. وعليه، ستقول: “الحادثان (حادث سقوط التفاحة والحادث الشمس) حَدَثا الآن (في تمام الساعة السابعة صباحاً مثلاً)”.
على أنَّ الحادث الشمسي قد وَقَع قبل نحو 8 دقائق من سقوط التفاحة، فالشمس تَبْعُد عن الأرض نحو 150 مليون كيلومتر؛ والضوء يقطع هذه المسافة في زمن مقداره نحو 8 دقائق. وهذا إنَّما يعني أنَّ تلك “الصورة الضوئية”، أي صورة الحادث الشمسي، قد وصلت إلى عينيكَ بعد رحلة فضائية استغرقت نحو 8 دقائق.
“الآن”، في معناها الذي يَعْكِس الحقيقة الموضوعية، إنَّما هي الزمن الذي يَخُصُّ حادثاً حَدَث على بُعْدِ أمتار منكَ، على الأكثر.
أنتَ “الآن” رأيْتَ هذا الحادث الشمسي. إنَّه، أي هذا الحادث، “الحاضِر” بالنسبة إليكَ، و”الماضي” بالنسبة إلى الشمس، و”المستقبل” بالنسبة إلى كوكب في خارج مجرَّتنا. هذا الحادث الشمسي الذي رأيْته أنتَ “الآن”، سيراه سكَّان ذلك الكوكب في المستقبل.. بَعْدَ مليون سنة مثلاً.
أمَّا سبب هذه “الظاهرة الزمنية” فهو الضوء بسرعته التي نَعْرِف (300 ألف كم/ث) فلو كان الضوء المنطلق من موضع في الكون يصل إلى سائر المواضِع الكونية “فوراً”، أو في “اللحظة عينها”، لأصبحت “الآن” مُطْلَقَة، أي واحدةً على المستوى الكوني.
“الآن” إنَّما هي لحظة زمنية تشمل “مكاناً صغيراً”، ولا يُمْكنها أبداً أن تشمل الكون كله.
انتقال الجسم في المكان (أو في الفضاء) إنَّما يعني انتقاله من موضع إلى موضع؛ و”انتقاله” هذا إنَّما يعني “حركته”؛ و”حركته” إنَّما تعني “سيره بسرعة معيَّنة”.
وفي انتقال الجسم من موضع إلى موضع، بـ “سرعة عادية” كسرعة سيَّارة مثلاً، تظلُّ المسافة بين الموضعين ثابتة، لا تزيد ولا تنقص. “الزمن” الذي يستغرقه هذا الانتقال هو ما يُمْكِن أن يتغيَّر، زيادةً أو نقصاناً، فزيادة سرعة الجسم المنتقل تُنْقِص زمن الانتقال، ونقصانها يزيد زمن الانتقال.
أمَّا لو تسارًع الجسم حتى أصبح يسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء فعندئذٍ يُخْتَصَر “الزمن” و”المسافة” معاً.
على أنَّ “اختصار الزمن” في هذه الحال ليس كاختصاره لدى زيادة سرعة السيَّارة مثلاً. إنَّه اختصار تسبَّب فيه “تمدُّد (أو تباطؤ) الزمن” في هذا الجسم؛ وهذا “التمدُّد” تسبَّب فيه “تسارُع” الجسم حتى بلوغه سرعة تقارِب سرعة الضوء.
و”المسافة” تُخْتَصَر، بالنسبة إلى هذا الجسم؛ لاجتماع عاملين: “تأخُّر الساعة (=تمدُّد أو تباطؤ الزمن)” في هذا الجسم (المتسارِع) وبقاء سرعته (لِعَجْزٍ فيزيائي مُطْلَق) دون سرعة الضوء مهما تسارَع.
الجسم الساكِن إنَّما هو، في تعريف آخر له، الجسم الذي يسير بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ مستقيم. ولو انطلق جسمان من مكان واحد، فسارا في الفضاء بسرعة متزايدة حتى بلغت سرعة أحدهما 200 ألف كم/ث، وبلغت سرعة الآخر 280 ألف ك/ث، ثمَّ استمرَّ كلاهما في السير بالسرعة التي بلغها (من غير زيادة ولا نقصان) وفي خطٍّ مستقيم، فإنَّ ساعة الأسرع تتأخَّر أكثر من تأخُّر ساعة الأبطأ؛ وهذا الفَرْق في تأخُّر الساعتين يظلُّ، لجهة نِسْبَتِهِ” ثابتاً ما ظلَّ كلاهما يسير بسرعته الثابتة المنتظَمة تلك، وفي خطٍّ مستقيم.
ولكن، ما معنى أن يسير الجسم في الفضاء في خطٍّ مستقيم؟ الجسم يسير في الفضاء كسير كرة على “سطح” طاولة. إنَّه يسير على “سطح” فضائي ما. وهذا “السطح الفضائي” إمَّا أن يكون “مستوياً” وإمَّا أن يكون “منحنياً”. أُنْظُر إلى سطح طاولة، تراه “مستوياً”؛ وإنَّكَ تستطيع أن تتصوَّره “منحنياً (مقوَّساً)”.
“السطح الفضائي”، أي كل “سطح فضائي”، إنَّما هو في اتِّحادٍ لا انفصام فيه مع “الجسم”، أي “مع مادة لها كتلة”؛ وكلَّما عَظُمَت كتلة الجسم ازداد “سطحه الفضائي”، أي الفضاء الذي حَوْله، انحناءً وتقوُّساً وتحدُّباً.
وفي الفضاء الذي يخلو، أو يكاد أن يخلو، من “الكُتَل الضخمة”، يسير الجسم على “سطح فضائي” مستوٍ، أي قليل الانحناء، فـ “الاستقامة المُطْلَقَة” لا وجود لها في الكون، وكذلك “الانحناء المُطْلَق”؛ وكل “مستقيم” ينطوي على “انحناء”، وكل “مُنْحَنٍ” ينطوي على “استقامة”. إنَّ الجسم الأكثر استقامة (في طوله) هو الجسم الأقل انحناءً؛ والجسم الأكثر انحناءً (في طوله) هو الجسم الأقل استقامة.
اقْتَطِعْ جزءاً صغيراً (أو قطعة صغيرة) من محيط دائرة، أو من محيط جسم كروي، أو من خطٍّ دائري، فعلامَ تَحْصَل؟ إنَّكَ تَحْصَل على “المستقيم”، أي على الخطِّ المستقيم. سِرْ على سطح الأرض في موازاة “خطِّ الاستواء (الدائري)” حتى تعود إلى النقطة التي منها انْطَلَقْتَ، أو بَدَأْتَ السير، فتتوصَّل إلى أنْ “التعارُض المُطْلَق (غير النسبي)” بين “الخطِّ المستقيم” و”الخطِّ الدائري (أو المنحني)” لا وجود له، وتَنْفيه “الحقيقة الموضوعية” التي ينطوي عليها سيرك
مواضيع مماثلة
» الحركة والسكون في الكون/8/
» الحركة والسكون في الكون/9/
» الحركة والسكون في الكون/10/
» الحركة والسكون في الكون/11/
» الحركة والسكون في الكون/12/
» الحركة والسكون في الكون/9/
» الحركة والسكون في الكون/10/
» الحركة والسكون في الكون/11/
» الحركة والسكون في الكون/12/
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى